احسن وصف لغزة المحتلة

احسن وصف لغزة المدينة والقطاع انها مدينة لا يستغني عنها القادم الى فلسطين ولا يحتاج الراحل اليها اي فلسطين للنزول بها طويلا.
وغزة بهذا المعنى بوابة فلسطين والشام وحرز مصر وحاميتها من الغزاة، هكذا كانت غزة في الماضي ولا زالت، فهي معبر يحاول الغزاة والمحتلون التوقف بها والارتياض قبل الوصول للهدية الثمينة في فلسطين، القدس، او القاهرة في مصر.
وغزة التي شاهدنا صور الحرب الفظيعة فيها في نهاية عام 2008 وبداية العام الحالي 2009 هي المكان على الكرة الارضية الكفيل دائما بتغيير مسار التاريخ، كان هذا المسار سيتغير لو القي القبض على نابليون بونابرت في مدينة خان يونس اثناء حملته على مصر، حيث تحدثنا كتب التاريخ انه تخلف عن جنوده وانقطع ليدخل المدينة التي كان اهلها يتراجعون الى خارجها بعد سماعهم عن انباء قدوم القوات الغازية اليها لكنه نجا بأعجوبة لينزل في بيت للمماليك ليلة واحدة قبل ان يواصل حملته الفاشلة على الساحل الفلسطيني.

من دمار الحلفاء الى جحيم اسرائيل

يلخص تاريخ المدينة التي كانت تغفو في ايام السلم بين بساتين البرتقال وتلال الرمال وتصحو على امواج البحر بانه سلسلة من الحروب والدمار والهدم، وموجات من الخروج والعودة، البناء والهدم. يذكرنا الدمار الحالي الذي قامت به اسرائيل بالمعركة الفاصلة بين قوى الحلفاء والمحور خاصة العثمانيين لهزيمة الجيش هذا وفتح الطريق امام البريطانيين والجنرال اللنبي التقدم نحو القدس.
فتفاصيل المعركة الطويلة والتي كلفت بريطانيا الاف الجنود الذين تشهد عليهم المقبرة الانكليزية في غزة التي لم تسلم من الهجمات والتخريب اثناء الحرب الاخيرة، تظهر مدى الصعوبة التي واجهها البريطانيون للتغلب على الحامية التركية واخضاع المدينة.
لكن غزة تلقت ضربة موجعة دمرت الكثير من معالمها خاصة المسجد العمري الذي يظل رمزا لعراقة المدينة الاسلامية، ظلت تعاني منها طوال الفترة الانتدابية الفظيعة، حتى هربرت صمويل المندوب السامي الاول على فلسطين اعترف بحقيقة الدمار الذي كان الاكثر على غزة من غيرها من المدن التي كانت مسرحا للعمليات.
كان صمويل يتحدث عن وضع المدينة بعد ثلاثة اعوام من المعركة مشيرا الى ان عمليات البناء واعادة الاعمار بطيئة.
كل الغزاة الذي حطوا رحالهم في المدينة او على حدودها تركوا قصصهم ورحلوا، لكن ما تركوه على نفسية السكان هو كراهيتهم للاحتلال، فقرون من الحروب والاحتلال غرست في قلوب السكان كراهية الاحتلال والمقاومة. غزة كانت في طليعة المقاومة الفدائية بعد حرب عام 1967 ومن غزة بدأت الانتفاضة عام 1987 ومن غزة انطلق الامل وانهار الحلم وظلت غزة كما هي مدينة على البحر وتحلم بالبحر.

ظلمتها الذاكرة وظلمها التاريخ

لكن قصة غزة لم تكتب ولم ينتبه اليها الكثيرون، حتى سكانها لا يعرفون الكثير عن تاريخها، إسأل أيا منهم عن عصور غزة من مروا بها سيقول انه مشغول بتأمين العيش والخبز بدلا من الانشغال بالتاريخ الذي يظل ترف من لا عمل لهم. اسأل اي فلسطيني ماذا يوجد في غزة فسيقول لك حالا: مخيمات لكن في القدس التاريخ، وعكا السور العظيم ومسجد الجزار، وفي نابلس سوقها القديم ومسجد الخضر، والخليل الحرم الابراهيمي واريحا قصر هشام ودير قرنطل، لكل مدينة في فلسطين معلمها الا غزة هذا على مدى الفهم العام والذهنية التاريخية. لو انتقلت الى السؤال الاخر، هل هناك كتب عن تاريخ المدينة، سيهرش الباحث رأسه باحثا عن كتاب عن تاريخها سيقول لك ارجع الى كتاب 'بلادنا فلسطين' للمرحوم مصطفى مراد الدباغ وكفى وان كان عالما بالامر اكثر سيقول لك ان المؤرخ عارف العارف له كتاب عن غزة صدر عام 1943 وطبعته مطبعة دار الايتام الاسلامية، وان كان مطلعا على الكتابات الحديثة سيقول لك ان ابراهيم خليل سكيك اصدر عام 1982 كتابا تحت عنوان 'غزة عبر التاريخ'، وان كان متجذرا بالمعرفة لقال ان عثمان مصطفى الطباع الغزي (1882 -1950) له مؤلف من اربعة مجلدات تحت عنوان 'اتحاف الاعزة في تاريخ غزة' من اقدم العصور مرورا بالحكم العثماني وحتى الانتداب البريطاني. وهو كتاب لم يطبع حتى الان على حد علمنا القاصر.
حتى في كتيبة العلم والعلماء دائما ما يُغمظ حق غزة مع ان قربها من مصر والازهر جعلها في موقع قريب من العلم واهله ومساهمتها في الحركة العلمية الاسلامية والفلسطينية مهمة جدا فاحد علمائها عمل مفتيا للمدينة المنورة ولها حظ وافر من الشعراء والادباء في الماضي والحاضر.

حتى الطيور تتوقف فيها ثم تغادر

لكن غزة لم يكتب تاريخها او تسجل قصة حياتها على غرار المدن الفلسطينية الاخرى لان حياتها كانت ولا زالت منعطف طريق. حتى الجنود البريطانيون الذي رابطوا حولها في الحرب العالمية الاولى اكتشفوا امرا مهما اسهم في فهم العلم لطبيعة هجرة الطيور حيث تتخذ الطيور المختلفة من غزة معبرا لها ومنعطف طريق في رحلتها المتجددة والطويلة حول العالم.
حتى في ادلة الرحلات والمسافرين الانكليزية لم تكن غزة الا معبرا، فهناك دليل يقول انه نظرا لعدم اهمية غزة الدينية للمسيحيين فلا يوجد فيها معالم واشار الى بعض النزل الموجودة فيها والتي يديرها اجانب.
غزة ان ظلمتها ذاكرتنا القصيرة لم يظلمها التاريخ فمقاومتها مسجلة منذ القدم على المعابد المصرية وفي الالواح والرقم الاشورية وفي كتابات الرحالة المسلمين والاوروبيين، فهناك تراث من المقاومة والثقافة والمشاركة الاقتصادية للمدينة، عبر العصور، لكن المدينة وفي الفترات التي لم تعانِ فيها من الحروب والغزاة كانت تجد نفسها تحت رحمة الاوبئة فقد زارها الرحالة المعروف ابن بطوطة ووصف جمال بيوتها وبساتينها ومساجدها الكثيرة خاصة منبر مسجدها الجامع المعمول من الرخام.
ولكنه مر بها بعد ستة عشر عاما من التجوال ليجد انها فقدت رونقها وهجرها سكانها واجتاح الوباء المدينة وحسب علمائها كان الموت يحصد من اهلها 1100 شخص في اليوم.

غزة هاشم ومهد الشافعي

لكننا يجب ان لا نوغل في ظلم ذاكرتنا فمجرد ذكر اسم غزة، يعيد الينا ارتبطها الروحي بميلاد الاسلام وعلاقة جد الرسول محمد صلى عليه وسلم، هاشم، فاذا كان لعكا سورها الذي جعلها لا تخشى من هدير البحر فلغزة هاشمها، الذي يربطها روحيا بالجزيرة العربية مهد الاسلام. ومن غزة انطلق الامام الشافعي، صاحب المدرسة الفقهية المعروف من بين المدارس الاربعة، الحنفية والمالكية والحنبلية والشافعية، حيث ولد الامام محمد بن ادريس الشافعي فيها وهو وان لم يعد اليها عادة استوطن القاهرة المحروسة من غزة ودفن فيها.



__________________

سبحان الله وبحمده... سبحان الله العظيم

عجز الكلام عن التعبير عن هذا الموضوع الغايه في الروعه

جزاك الله الف خير


تقبل مروري ميـــ@ـــدو